فصل: قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله.

ولما تقرر الأمر على وزارة هزير الملوك وخلع عليه أنكر ذلك الجند وتولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم وكان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسدا لصاحبه وأوجد له السبيل إلى ذلك فخرج وتعلق به الجند وقالوا: هذا الوزير ابن الوزير وتنصل فلم يقبلوا وضربوا له خيمة بين القصرين وأحدقوا به وأغلقت أبواب القصر فتسوروه وولجوا من طيقانه واضطر الحافظ إلى عزل هزير الملوك ثم قتله وولى أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة وجلس بدست أبيه ورد الناس أموال الوزارة المقضية واستبد على الحافظ ومنعه من التصرف ونقل الأموال من الذخائر والقصر إلى داره وكان إماميا متشددا فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ونقش عليها: الله الصمد الإمام محمد وهو الإمام المنتظر وأسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر وذكر الحافظ وأسقط من الأذان حي على خير العمل ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر وأراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل وقتلهم فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه واعتقله وركب بنفسه في المواسم وخطب للقائم مموها فتنكر له أولياء الشيعة ومماليك الخلفاء وداخل يانس الجند من كتامة وغيرهم في شأنه واتفقوا على قتله وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد وهو في موكبه وهم يتلاعبون على الخيل ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه وأخرجوا الحافظ من معتقله وجددوا له البيعة بالخلافة ونهب دار أبي علي وركب الحافظ وحمل ما بقي فيها إلى القصر واستوزر أبا الفتح يانسا الحافظي ولقبه أمير الجيوش وكان عظيم الهيبة بعيد الغور واستبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه ويقال إن الحاكم وضع له سما في المستراح هلك به وذلك آخر ذي الحجة سنة ست وعشرين.

.قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه.

ولما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلى دست الوزارة ليستريح من التعب الذي عرض منهم للدولة وأجمع أن يفوض الأمور إلى ولده وفوض إلى ابنه سليمان ومات لشهرين فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة وعزم على اعتقال أبيه وداخل الأجناد في ذلك فأطاعوه وأطلع أبوه على أمره ففتك بهم يقال: إنه قتل منهم في ليلة أربعين وبعث أبوه خادما من القصر لقتله فهزمه حسن وبقي الحافظ محجورا وفسد أمره وبعث حسن بهرام الأرمني لحشد الأرمن ليستظهر بهم على الجند وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه ووقفوا بين القصرين وجمعوا الحطب لإحراق القصر واستبشع الحافظ قتله بالحديد فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين.

.وزارة بهرام ورضوان بعده.

ولما مات حسن بن الحافظ ورحل بهرام لحشد الأرمن اجتمع الجند وكان بهرام كبيرهم وراودوا الحافظ على وزارته فوافقهم وخلج عليه وفوض إليه الأمور السلطانية واستثنى عليه الشرعية وتبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة واستعمل الأرمن وأهانوا المسلمين وكان رضوان بن ولحيس صاحب الباب وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة وكان ينكر على بهرام ويهزأ به فولاه بهرام الغربية ثم جمع رضوان وأتى إلى القاهرة ففر بهرام وقصد قوص في ألفين من الأرمن ووجد أخاه قتيلا فلم يعرض لأهل قوص وباء بحق الخلافة وصعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر وهو إبراهيم الأوحد فاستنزله على الأمان له وللأرمن الذين معه وجاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه واستقر رضوان في الوزارة ولقب بالأفضل وكان سنيا وكان أخوه إبراهيم إماميا فأراد الاستبداد وأخذ في تقديم معارفه سيفا وقلما وأسقط المكوس وعاقب من تصدى لها فتغير له الخليفة فأراد خلعه وشاور في ذلك داعي الدعاة وفقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشيء وفطن له الحافظ فدس خمسين فارسا ينادون في الطرقات بالثورة عليه وينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هاربا منتصف شوال سنة ثلاث وثلاثين ونهبت داره وركب الحافظ وسكن الناس ونقل ما فيها إلى قصره وسار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك وكان في جملته شاور وهو من مصطفيه وأرسل الحافظ الأمير بن مضيال ليرده على الأمان فرجع وحبس في القصر وقيل وصل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين وأقام عنده ثم رجع إلى مصر سنة أربع وثلاثين فقاتلهم عند باب القصر وهزمهم ثم افترق عنه أصحابه وأرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مضيال وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة وجمع المغاربة وغيرهم ورجع إلى القاهرة فقاتلهم عند جامع ابن طيلون وهزمهم ثم دخل القاهرة ونزل عند جامع الأقمر وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفا على عادتهم مع الوزير ثم استزاد عشرين وعشرين وفي خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعا كثيرا من السودان فحملوا عليه وقتلوه وجاؤا برأسه إلى الحافظ واستمر الحافظ في دولته مباشرا لأموره وأخلى رتبة الوزارة فلم يول أحدا بعده.